إن ما يقوم به الرئيس بوش في الوقت الراهن ليس إلا نوعا من السخرية، والاحتيال الممقوت على الشعب الأميركي. فالرئيس الذي تجاهل التهديد الذي كانت تمثله "القاعدة" قبل الحادي عشر من سبتمبر، والذي حول مجرى انتباه الرأي العام الأميركي، مستغلا مشاعر الرعب والفزع التي سادت عقب وقوع تلك الأحداث، نحو تهديد غير موجود قال إنه يجيء من ناحية العراق، وقام بإعاقة التحقيقات في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يسعى الآن إلى استغلال تلك المأساة كحيلة لإعادة انتخابه. إن الرئيس بوش يتجنب التصوير مع الموتى والمصابين الذي سقطوا بسبب الحماقة التي ارتكبها في العراق، ولكنه يقوم مع ذلك باستغلال التوابيت المغطاة بالعلم الأميركي لضحايا الحادي عشر من سبتمبر، باعتبارها تمثل إعلانات تلفزيونية رائعة. يا له من نموذج منحط، ومخيف من نماذج الاستغلال السياسي!
إن هذا تحديدا هو السبب الذي أدى إلى حملة من الإدانة الشديدة لتلك الإعلانات من قبل اتحاد رجال الإطفاء، والعديد من أقرباء ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، الذين تحتوي مواقعهم على شبكة المعلومات العالمية على قائمة من الأسئلة التي لا زالت حتى الآن دون إجابات، بخصوص تلك المأساة الرهيبة. وعلى حد تعبير (بوب ماك إيلفين) الذي لقي ابنه مصرعه في مأساة تدمير برجي مركز التجارة العالمي فإنه: بدلا من اللعب على عواطف الناس عن طريق عرض صور عن ذلك اليوم، فإن الرئيس سيحسن صنعا فيما لو قام بالمزيد من التعاون مع اللجنة المستقلة التي تقوم بالتحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بما يتيح لنا معرفة الحقيقة عما حدث في ذلك اليوم والأسباب التي أدت إلى حدوثه.
ولكن كشف النقاب عن الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن أبدا من ضمن نوايا بوش، ولا مقاصده في أي وقت من الأوقات. فبدلا من ذلك قام الرئيس باستغلال تلك المأساة لتحقيق طموحاته السياسية، ولكي يصرف عن طريقها الأنظار عن الأكاذيب التي أطلقها بشأن العراق، وعن الدين القومي الذي وصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل من قبل، وعن الإحباط، وخيبة الأمل التي يحس بها الأميركيون الذين يعانون من البطالة وعدم وجود فرص للعمل، والانتهاكات التي حدثت في مجال الحريات المدنية. والشيء المحير هو ذلك الحد من انعدام المشاعر الذي تنطوي عليه حيلة بوش الانتخابية، وخصوصا أن الرئيس لم يكن قد قام أبدا بإظهار أي اهتمام بالإرهاب قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي وجه الاتهام فيها إلى تنظيم "القاعدة". فقبل وقوع تلك الأحداث، كان معظم تركيز الرئيس على مكافحة المخدرات، وعلى المزايدة على موقف والده تجاه نظام صدام حسين. وكان إخفاقه الرهيب في الانتباه إلى التحذيرات التي وجهتها إدارة كلينتون بشأن التهديد الذي كان يمثله أسامة بن لادن، سببا من ضمن الأسباب التي أدت إلى رفض بوش التام للسماح بإجراء تحقيق عام تقوم به لجنة مشكلة من الحزبين، وتمارس مهامها دون عراقيل، في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
لم يحدث في تاريخنا الوطني من قبل أن ظل حادث على هذا القدر من الجسامة دون تحقيق واستقصاء معمق من قبل الحكومة بغرض معرفة أسبابه، ومحاسبة المسؤولين عنه، أو الذين تقاعسوا في أداء واجبهم في الحيلولة دون وقوعه، في الوقت نفسه الذي تمت فعليا المبالغة في استغلال الحادث كأداة لتحقيق مآرب سياسية. إن التشويش الذي قامت به إدارة بوش في هذا الشأن كان متعمدا، كما أنها قامت به بحماسة توحي بأن بوش ربما يكون لديه سر رهيب يرغب في إخفائه. وإذا لم يكن الأمر كذلك فما هو إذن السبب الذي دعاه لكي يقوم في بداية الأمر بمعارضة تكوين لجنة من الحزبين للتحقيق في أسباب ووقائع أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟
ولم يسمح بوش بتكوين تلك اللجنة إلا بعد الضغط الشعبي الهائل الذي مارسته عائلات ضحايا تلك الأحداث، الذين طالبوا بتقديم تفسير للأسباب التي أدت إلى مصرع أحبائهم . وبعد ذلك سعى بوش لتقويض نزاهة التحقيق الذي يمكن أن تقوم به تلك اللجنة عن طريق تعيين هنري كيسينجر، أستاذ الإفك والكذب العالمي الكبير، كي يكون رئيسا لها. وقد فشلت هذه الخطوة عندما رفض كيسينجر أن يكشف عن ارتباطاته المالية المشبوهة، مع الأنظمة التي يحتمل جدا أن تكون لها ارتباطات مع الإرهابيين الذين قاموا بارتكاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وبعد أن تم السماح في النهاية بتكوين لجنة أكثر استقلالا، بدأ بوش، وبشكل منهجي ومنظم في تقويض عملها عن طريق رفضه أن يحول لها المستندات اللازمة لإجراء التحقيق، أو السماح لأعضاء اللجنة بإجراء مقابلات مع كبار المسؤولين في الإدارة وعلى رأسهم هو نفسه.
إن بوش هو الرئيس الذي كانت استجابته المباشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر هي محاولة حماية رعاة "القاعدة". مع القيام في الوقت نفسه بالتخطيط لإجراء حرب تكون بمثابة عرض جانبي ضد عدو بن لادن اللدود في بغداد وهو صدام حسين. ففي أعقاب كارثة برجي مركز التجارة العالمي مباشرة، تم السماح لطائرة سعودية بالهبوط في الولايات المتحدة كي تقوم بنقل أقرباء بن لاد